أسماء الله الحسنى – الشاكر [ 1 ] ـ لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
1 – ورودُ اسم ( الشاكر ) في القرآن :
أيها الإخوة الأكارم ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم هو : ( الشاكر ) ،
فقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في موضعين ، الموضع الأول قوله تعالى :
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)
( سورة البقرة)
والموضع الثاني :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) ﴾ .
( سورة النساء ) .
ولم يرد هذا الاسم في السنة المطهرة .
2 – اسم ( الشاكر ) علَمٌ متضمِّن لصفات الكمال :
وهذا الاسم يفيد المدح والثناء ، مراداً به العلمية ، دالاً على كمال الوصفية .
الحقيقة الأولى : الإحسان إلى المخلوق جزاءه دنيوي وأخروي :
أيها الإخوة ، الحقيقة الأولى في هذا الموضوع :
ما من إحسان يقدم إلى مخلوق كائناً من كان أو كائناً من كان ، ما من إحسان يقدم إلى مخلوق عاقل أو غير عاقل إلا سيكافئ الله من أحسن هذا الإحسان في الدنيا أو في الآخرة ، وما أحسن عبدٌ من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة ، ومستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تقدِّم عملاً طيباً لأيّ جهة في الأرض ، لأيّ كائن في الأرض ، ثم لا تجد من الله مكافأة ؛ إن في الدنيا أو في الآخرة .
أيها الإخوة الكرام ، هذه الحقيقة الأولى ، لأنك إذا تلقيت معروفاً من إنسان ، ولأنك مؤمن ، ولأنك على شيء من الكمال لا تملك إلا أن تشكره ، لا تملك إلا تبتسم له ، لا تملك إلا أن تمتن له ، لا تملك إلا أن تثني عليه ، فكيف بصاحب الكمال المطلق ؟ فكيف بخالق السماوات والأرض ؟ فكيف بالذي هو صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى .
أيها الإخوة الكرام ، هذه أول حقيقة ، إذا أحسنت إلى مخلوق ما ، كائناً بشرياً أو حيوانا أو نباتًا فهذا الإحسان محفوظ عند الله ، تكافَأ عليه في الدنيا أو في الآخرة أو في الدنيا والآخرة ، ولا يضيع عند الله شيء .
هذه الحقيقة الأولى لهذا الاسم العظيم .
الحقيقة الثانية : كيف يشكرك الله عزوجل ؟
الحقيقة الثانية ، أنت حينما يقدم إليك معروف تشكر بلسانك تقول له :
شكراً ، جزاك الله خيراً ، والإله العظيم إذا قدمت إلى أحد عباده معروفاً ، تعرفه أو لا تعرفه ، عرف أو لم يعرف فإنه يشكرك .
سيدنا عمر مرة جاءه رسول من معركة نهاوند ، وحدثه عن المعركة ، ثم قال هذا الرسول : يا أمير المؤمنين ، مات خلْقٌ كثير ، قال : مَن هم ؟ قال : إنك لا تعرفهم ، فبكى عمر ، وقال : وما ضرهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم .
لا يمكن أن يضيع عند الله شيء ، مهما تصورت العمل قليلا أو صغيرا ، ومهما كانت قيمته تافهة فهو عند الله محفوظ ، وإذا أسدي إليك معروف تشكر بلسانك ، أو تمتن بقلبك ، أو تقدم له مكافأة ، أو هدية أو عمل أو تقدم له خدمة .
هذا الإله العظيم صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى ، كيف يشكرك ؟ جاءت الآية لتبين بالتعبير المعاصر آلية الشكر ، قال تعالى :
لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (7)
( سورة إبراهيم ) .
المعنى الأول :
الزيادة إما من نوع الذي قدمته ، قدمت مالاً ، فالله عز وجل شكره لك أن يزيد لك مالك ، قدمت له وقتاً ، شكر الله لك أن يبارك في وقتك ، قدمت له من جهدك ، شكر الله لك أن يسخّر من يقدم لك جهداً ، ومستحيل أن تفعل معروفاً دون أن ترى الجزاء .
أيها الإخوة الكرام ، لو أخذنا المال ، إن قدمت مالاً فالله يشكرك بأن يزيد في مالك ، والآية التي تصدق على كل حالات الشكر :
لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (7)
( سورة إبراهيم ) .
لذلك قال تعالى :
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)
( سورة البقرة) .
عبدي : (( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ )) .
[ ابن ماجه عن أبي هريرة ]
(( أنفق بلال ، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا )) .
[ الطبراني في المعجم الكبير والأوسط بسند حسن عن أبي هريرة ]
لكن لاحظ الإنسان لما يذهب إلى مريض ؛ دون أن يشعر هو حريص حرصاً بالغاً أن يضع بطاقة في داخل الهدية ليتأكد أنهم إذا فتحوا هذه الهدية ، ويرون مَن الذي أرسل هذه الهدية ، فأنت حريص على أن يعلم مَن قدمت له الهدية أنها منك ، فلا تكتفي أن تعطيها لابنه ، ولا تكتفي أن تضع البطاقة على ظاهر الهدية فقط فتسقط ، بل تضعها في داخل الهدية كي تتأكد أن الذي قُدِمَت له هذه الهدية عرف من أين جاءته ، والله عز وجل يقول :
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ (270)
( سورة البقرة)
طمأنك الله عز وجل أنّ أيّ عمل صالح تقدمه لمخلوق كائناً مَن كان هو في علم الله ، ومع الله لا تحتاج إلى بطاقة ؛ أن هذا العمل من فلان .
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ (270)
( سورة البقرة)
هذه الحالة الأولى ، أنت بحاجة إلى أن تتأكد أن هذا العمل الذي قمت به بعلم الله ، والإنسان كما قال الله عز وجل يحب المال :
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (14)
( سورة آل عمران)
في أصل كيانك فُطرتَ على حب المال ، والبشر جميعاً من دون استثناء يحبون المال ، لكن بعضهم يصرّح ، وبعضهم لا يصرّح ، لكن الذي لا يصرّح هو يحب المال كالذي يصرّح ، هذه جِبِلّة فينا ، ولأننا نحب المال كان إنفاق المال عملاً ثميناً ، لأنك تنفق شيئاً تحبه .
كما تعلمون الإنسان جُبِلَ على طبع ، ومعه تكليف ، طبعه أن يأخذ المال ، والتكليف أن ينفقه ، طبعه أن يبقى نائماً ، والتكليف أن يستيقظ ، طبعه أن يملأ عينيه من محاسن النساء ، والتكليف أن يغض البصر ، طبعه أن يخوض في فضائح الناس ، والتكليف أن يسكت ، فلذلك الله عز وجل يقول لك :
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ (39)
( سورة سبأ)
هؤلاء الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ألا تكفيهم هاتان الآيتان ، الله يعلم وهو يخلف ، وما نقص مال من صدقة :
(( يا عبدي ، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ )) .
[ الترغيب والترهيب بسند صحيح ]
(( أنفق بلال ، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا )) .
[ الطبراني في الكبير والبزار عن أبي هريرة بسند صحيح ]
(( صدقة السر تطفئ غضب الرب )) .
[ أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس ]
(( الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير )) .
[ الطبراني عن أبي أمامة بسند ضعيف ]
(( باكروا بالصدقة ، فإن البلاء لا يتخطاها )) .
[ الجامع الصغير عن علي بإسناد ضعيف ]
والقصص التي تروى في هذا الموضوع واللهِ لا تعد ولا تحصى ، حتى إن المؤمن ليخجل من الله .
سيدنا عبد الرحمن بن عوف من كبار الصحابة ، كان ذا مال وفير ، مرة بلغه أنه سوف يدخل الجنة حبواً ، قال : << والله لأدخلنها رملاً ، وما عليّ إذا كنت أنفق مئة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء ؟ >> .
(( أنفق بلال ، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا )) .
أنا أتمنى عليكم أن تسألوا محسنا عما حصل له بعد إنفاق المال ، يا بني ، العلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، الإنسان يحرسه الله بالعلم ، لكن المال إذا أنفقته في الحسابات في الآلة الحاسبة يقلّ ، لكن برحمة الله يزيد ، فلذلك نحن قد نغفل في حياتنا حسابات البركة ، فإذا أنفق الإنسان ماله بارك الله له في ماله ، والحد المعقول أنه يرزقه رزقاً سلبياً ، ما هو الرزق السلبي ؟
الحد الأدنى أن يحفظه من أمراض وبيلة ، من ظلم ظالم ، من مصادرات ، من مخالفات ، من بطش الأقوياء ، من تدمير ، من حريق ، من خراب ، هذا رزق سلبي ، وأحيانا الله عز وجل يبارك له في ماله ، فبمال معقول يحقق أهدافا كبيرة جداً ، هذا من مكافأة الله للمحسن ، يحفظه ، ويبارك له في ماله .
أيها الإخوة الكرام ، هذان باعثان لإنفاق المال ، أن الله يعلم ، وأن الله يخلف على المنفق ماله ، أي : يضاعف له هذا المال أضعافاً كثيرة ، وبمكن أن تتعامل مع الله بآيات القرآن الكريم ، ويمكن أن تتعامل معه بطريقة عملية ، فإذا اقتربت منه بنفقة كافأك مكافأة كبيرة .
والله مرة حدثني أخ توفي أحد أقربائه ، فزار أولاده ، وقال لهم : دَيْن أبيكم عليّ ، لكنه لا يعلم كم الدين ، وهذا خطأ منه ، توقعه بعشرات الألوف ، فإذا هو بمئات الألوف أقسم لي بالله أن دفع مبلغا قريبا من أربعمئة ألف ليرة ، بالتمام والكمال ، وحدثني عن قصته في صحن المسجد ، وبكى ، قال : والله بعد أيام جاءني مبلغ من صفقة لبضاعة كاسدة نصيبي من هذه الصفقة المبلغ الذي دفعته .
أحيانا تتعامل مع الله بالتعامل اليومي :
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ (270)
( سورة البقرة)
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ (39)
( سورة سبأ)
هذه الحقيقة الأولى ، شكر الله لك ، الله شاكر ، إذا أنفقت من مالك يزيد لك مالك ، وما نقص مال من صدقة .
(( أنفق بلال ، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا )) .
(( يا عبدي ، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ )) .
المعنى الثاني :
المعنى الثاني أيها الإخوة ، أيّ عمل صالح اتجاه أيّ مخلوق ، كائناً من كان هو قرض لله حسن ، وهناك آية قرآنية الذي يقرأها من المؤمنين يقشعر جلده :
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً (245)
( سورة البقرة)
الله عز وجل عدّ أيّ عمل صالح ، ولو اتجاه حيوان ، ولو اتجاه نبات ، سقيت نباتا ، هذا العمل يضاعف لك جزاءه أضعافاً كثيرة ، فأنت معرّض كل يوم أن تقرض الله قرضاً حسناً ، هذا معنى دقيق جداً ، الإله العظيم يقول لك : يا عبدي ، أقرضني ، اعتنِ بهذا المخلوق ، أطعم هذا الجائع ، اكسُ هذا العاري ، عالج هذا المريض ، هناك أصحاب حرف مؤمنون يقدمون جزءا من خبراتهم لوجه الله .
حدثني طبيب أسنان جاءته مريضة تحتاج إلى تقويم لأسنانها ، وهي معلمة ، ودخْلها محدود جداً ، والمبلغ فوق طاقتها ، فبعد أن اعتذرت عن متابعة المعالجة للرقم الكبير ناداها ، قال : هل تقبلين هذا التقويم هدية مني ؟ يقسم لي بالله العظيم أنه أمضى ستة أشهر وكأنه في الجنة .
أحيانا هناك مكافأة من نوع ثانٍ ، الله يكافئك بسعادة ، بطمأنينة غير المكافأة المادية ، أنت مفطور على حب وجودك ، وعلى حب سلامة وجودك ، وعلى حب كمال وجودك ، وعلى حب استمرار وجودك .
دققوا أيها الإخوة الكرام ، سلامة وجودك بطاعة الله ، والطاعة الاستقامة ، والاستقامة سلبية ، والاستقامة تسبقها ( ماءات ) جمع ما النافية ، ما أكلت مالاً حرامًا ، ما كذبت ، ما غششت ، كلها ( ماءات ) ، الاستقامة تحقق لك السلامة ، أما كمال الوجود فلا تكفيه الاستقامة ، يحتاج إلى بذل ، بذل من وقتك من مالك ، من خبرتك ، كمال الوجود يحتاج إلى بذل ، إلى عطاء من وقتك ، من مالك ، من خبرتك ، لذلك :
فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
( سورة الكهف )
أضرب مثلا لعلّي أذكره كثيراً : مجنَّد غرّ التحق بقطعة عسكرية ، القطعة جزء من لواء كبير ، أو من فرقة كبيرة على رأسها لواء أركان حرب ، هذا الجندي الغر لا يستطيع الدخول على هذا اللواء الكبير بحكم التسلسل العسكري ، هناك سبعة أمامه ، وسبعتان ، عريف أول ، و ثمانية ، وثمانيان ، ونجمة ونجمتان ، وتاج ونجمتان ، لكن هذا المجند الغر الذي التحق منذ التطوع بإمكانه أن يدخل على اللواء من دون إذنٍ إذا وجد ابنه يسبح ، وكان يغرق فألقى بنفسه في الماء وأنقذه ، فهْمكم كفاية .
إذا خدمت إنسانا ، أطعمت جائعا ، كسوت عاريا ، لبَّيت حاجة إنسان ، أنت موظف ، جاءك مراجع من محل بعيد ، ونفقة الإقامة غالية جداً ، وجمدت أعمالك كلها وخدمته ، مستحيل أن يضيع هذا عند الله ، فلذلك صنائع المعروف تقي مصارع السوء .
أيّ عمل تقدمه لأيّ مخلوق يعدّ قرضاً حسناً لله عز وجل :
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً (245)
( سورة البقرة)
أنت معرّض كل يوم إلى تلبية حاجات الناس ، سائل سألك ، مريض استعان بك ، إنسان ضال في الطريق قال لك : أين بيت فلان ؟ وهو غريب ، فأَعَنته على الوصول إلى البيت ، والقصص والله لا تعد ولا تحصى .
إنّ الذين تعاملوا مع الله ذاقوا من الله المكافأة ، المكافأة النفسية ، والمكافأة المادية بالعطاء ، لذلك حينما يكون الإنسان محسناً ، وتأتيه الخيرات من كل جانب هذا بسبب إحسانه ، وأنت مهمتك في الحياة أن تعبد الله ، ثم أن تشكره ، لأنك إن عبدته فسوف تأتي الخيرات من كل جانب .
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)
( سورة الزمر )
تنتهي مهمتك أن تعبده العبادة الصحيحة ، الصادقة ، والعبادة الصحيحة الصادقة جزء منها العمل الصالح ، والكلام الدقيق : حجمك عند الله بحجم عملك الصالح .
اسأل نفسك : ماذا قدمت للأمة ؟ إذا قدمت لها صناعة متقنة ، صار عملك عبادة ، لذلك قالوا : العمل الذي ترتزق منه إذا كان في الأصل مشروعاً ، وسلكت به الطرق المشروعة ، وابتغيت منه كفاية نفسك وأهلك ، وخدمة الناس عامة ، والمسلمين خاصة ، هذا العمل الحرفي المهني لم يشغلك عن طاعة ، ولا عن أداة صلاة ، ولا عن طلب علم ، انقلب على عبادة ، لذلك المؤمن عاداته عبادات ، والمنافق عباداته سيئات ، عباداته الخالصة ، صلاته يرائي بها ، المؤمن عاداته وأحواله المعيشية ، جاء بطعام لبيته ، أخذ أهله إلى نزهة ، تسجل عند الله عبادة ، لأن هدفه إرضاء الله عن طريق خدمة عباده ؟
فلذلك أيها الإخوة الكرام ، أي عمل صالح يقدم لأي مخلوق كائناً من كان هو عند الله قرض حسن لله .
إذا قال ملِكٌ ، أغنى ملوك الأرض لمواطن فقير : أقرضني مئة ليرة ، ماذا تفهم منها ؟ أراد أن يعطيه بيتاً ، بيتا كاملا ، أراد أن يكون لهذا العطاء سبب ، أقرضني مئة ليرة ، هل هذا القرض حقيقي ؟ أم أراد من هذا القرض أن يمتحن محبته ، وأن يكافئه على هذا القرض بمنزل فخم جداً هدية .
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً (245)
( سورة البقرة)
أحياناً يكون العمل صغيرا أمامك ، تبسمتم في وجه موظف عندك ، فقط ابتسامة ، سألته عن أحواله : كيف حالك يا بني ؟
هناك موظف عبوس قمطرير ، يدخل إلى مكتبه له هيبة وكهنوت ، وهناك مدير عام متواضع ، فإذا ابتسمت في وجه من يعمل معك ، إذا ابتسمت في وجه خادم عندك ، سألته عن صحته ، تبسمك في وجه أخيك صدقة ، أن تميط الأذى عن الطريق هو لك صدقة ، مهما توهمت العمل صغيراً فهو عند الله كبير .
جاء أعرابي النبيَّ عليه الصلاة والسلام ، قال : يا رسول الله ، عظني ولا تطل ، تلا عليه النبي عليه الصلاة والسلام فقرة من سورة :
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه
، قال : كُفيت ، فقال عليه الصلاة والسلام : فَقُه الرجل ، أي صار فقيها ما قال : فَقِهَ ، فَقِهَ عرف الحكم ، قال فَقُه ، يعني أصبح فقيهاً .
والحمد لله رب العالمين