أسماء الله الحسنى – الأكرم "1 " ـ لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الأخوة الكرام ، الاسم اليوم الأكرم ، هذا الاسم ورد في أول سورة أنزلت من القرآن الكريم ، قال تعالى :
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾
( سورة العلق)
بادئ ذي بدء الله عز وجل أودع في الإنسان قوة إدراكية يتميز بها على بقية المخلوقات ، ولأنه أودع فيه قوة إدراكية أصبحت عند هذا الإنسان حاجة إلى المعرفة ، وهذه الحاجة يمكن أن توصف بأنها حاجة عليا ، له حاجات دنيا متعلقة بالأرض وله حاجة عليا متعلقة بالسماء ، فركّب الملك من عقل بلا شهوة وركب الحيوان من شهوة بلا عقل وركب الإنسان من كليهما فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) ﴾
( سورة البينة )
فوق الملائكة وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ، فالله عز وجل سخر لهذا الإنسان ما في السماوات ، قال تعالى :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾ .
( سورة الجاثية الآية : 13 )
أمره أن يقرأ أي يتعلم وطلب العلم فريضة على كل مسلم ، هذا العلم أنواع قال اقرأ باسم ربك ، يعني ما لم ينقلك العلم إلى معرفة ربك فليس علماً ، العلم ما هداك إلى الله ، العلم ما عرفك بهذا الإله العظيم ، العلم ما حملك على طاعته ، العلم ما دفعك إلى التقرب إليه ، العلم ما هداك إلى سرِّ وجودك ، العلم ما هداك إلى غاية وجودك ، لذلك اقرأ أما المفعول به فهو محذوف وحينما يحذف المفعول يطلق الفعل ، يعني اقرأ في الكون ، الكون قرآن واقرأ في القرآن فهو كلام الخالق ، واقرأ في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام فهو قرآن يمشي ، يعني اطلب العلم ، ما لم يطلب الإنسان العلم لا يؤكد إنسانيته ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، إلا أن العلم له شأن آخر لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً .
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق)
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ (21) ﴾
( سورة البقرة)
الخالق وحده الذي ينبغي أن يعبد ، الجهة التي صنعتك ينبغي أن تتبع تعليماتها .
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) ﴾
( سورة العلق)
يمكن أن نسمي هذه القراءة الأولى قراءة البحث والإيمان .
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) ﴾
( سورة العلق)
العلم مرتبط بالإيمان وما لم ينقلك العلم إلى الإيمان فليس علماً ، وقد يكون ذكاءً ليس غير ، لذلك قالوا : ما كل ذكي بعاقل ، إنسان عنده دماغ يمكن أن يفهم دقائق الأشياء فاختص باختصاص نادر وجلب له هذا الاختصاص دخلاً كبيراً فلكياً هذا ذكي جداً ، لكن ما لم تعرف سر وجودك ، وغاية وجودك ، ما لم تعرف الخالق والرب والمسير ، ما لم تعرف أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى فلست عاقلاً ، العاقل من عرف الله وأرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً .
(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء )) .
[ ورد في الأثر ]
وفي بعض الأدعية : ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق)
تجاوز الحالات السفلى إلى الحاجة العليا ، ابحث عن الحقيقة اعمل بها .
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) ﴾
( سورة العصر )
يقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن أنه خاسر :
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) ﴾
( سورة العصر )
لو شخص دخله اليومي مليون دولار ولم يتعرف إلى الله عز وجل فهو بنص هذه الآية خاسر ، لأن هذه الدنيا تنتهي بالموت والموت ينهي كل شيء ، ينهي قوة القوي ، وينهي ضعف الضعيف ، ينهي غنى الغني ، ينهي فقر الفقير ، ينهي وسامة الوسيم ، ينهي دمامة الدميم ، ينهي أمن الآمن ، ينهي خوف الخائف ، الموت ينهي كل شيء .
لذلك ما لم تتعرف إلى الله ، وما لم تتحرك وفق منهجه ، وما لم تدعُ إليه فأنت خاسر ، وبإمكانك أن تتلافى الخسارة بأن تعمل في هذا الوقت الذي سيمضي عملاً ينفعك بعد الموت ، لذلك دائماً اجعل هذا المقياس الدقيق أي حركة ، أي نشاط ، أي مسعى له أثر بعد الموت هذا ينفعك ، وأي نشاط وأي حركة تنتهي عند الموت لا قيمة لها ، هذه من الدنيا لذلك دخلوا على سيدنا أبو عبيدة بن الجراح وكان قائد الجيوش الإسلامية في الشام دخلوا على غرفته فيها قدر ماء مغطاة برغيف خبز ، وسيفه معلق ، قالوا : ما هذا يا أمين هذه الأمة ؟ قال هو للدنيا وعلى الدنيا كثير ألا يبلغنا المقيت ؟ لذلك الدنيا لأنها تنتهي بالموت ليس لها شأن عند الله .
(( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ))
[ الترمذي ، ابن ماجه عن سهل بن سعد]
إذاً لا بد من أن نبحث عن الحقيقة ، ولا بد من أن تتحرك وفق الحقيقة ، ولا بد من أن ندعو إلى هذه الحقيقة ، وقد يكون هناك عقبات وقد تكون هناك صوارف فلا بد من الصبر .
﴿ وَالْعَصْر (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
( سورة العصر )
إذاً أول قراءة ينبغي أن تقرأها قراءة البحث والإيمان ، ابحث عن الحقيقة ، ابحث عن الذي خلقك ، تساءل لماذا خُلقت ؟ لماذا أنا في الدنيا ؟ ما العمل العظيم الذي ينبغي أن أفعله ؟ ماذا بعد الموت ؟ ماذا قبل الموت ؟ من أين وإلى أين ولماذا ؟ ابحث .
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق)
أي العلم ما انتهى بك إلى الإيمان ، فإن لم ينتهِ بك إلى الإيمان فهو ذكاء فقط ، والذكاء ينتهي عند الموت ، هو ذكاء أو ثقافة ، أما العلم الذي أراده الله حينما قال الله عز وجل :
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ .
( سورة الزمر الآية : 9 )
العلم الذي أراده الله أن تتعرف إليه ، وأن تتعرف إلى منهجه ، وأن تحمل نفسك على طاعته ، وأن تبذل الغالي والرخيص والنفس والنفيس ، هذه القراءة الأولى قراءة البحث والإيمان .
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق)
أقرب آية إليك نفسك التي بين جنبيك ، قال تعالى :
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) ﴾
( سورة البلد)
يوجد بالشبكية مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط ، بالميليمتر مربع في أرقى آلة تصوير رقمية احترافية في عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، في الميليمتر مربع في شبكية العين مئة مليون مستقبل ، لذلك العين تفرق بين ثمانية ملايين لون .
﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) ﴾
( سورة البلد)
الله أكرم ، أكرمك بماذا ؟ بالبيان ، قال تعالى :
﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾
( سورة الرحمن)
بالبيان يتواصل الناس أرقى تواصل ، التواصل بيان ، بالبيان تتكلم فتعبر عن أفكارك ، تعبر عن مشاعرك ، بالكلام تنتقل العلوم من إنسان إلى إنسان ، بالمعاصرة ، ومن جيل إلى جيل بالكتابة ، ومن أمة إلى أمة بالترجمة ، لذلك :
﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾
( سورة الرحمن)
هذه القراءة الأولى أكرمك الله بأن منحك نعمة الإيجاد ومنحك نعمة الإمداد ومنحك نعمة الهدى والرشاد ، إنه الأكرم ، و أكرم اسم تفضيل وهذا الاسم ورد معرفاً بأل ، مراداً به العالمية دالاً على كمال الوصفية ، الأكرم ، لا عطاء يعدل عطاءه .
منحك نعمة الإيجاد والإيجاد إلى متى ؟ لا إلى الموت ، الموت نقطة محطة في الطريق ، كل نفس ذائقة الموت لا تموت لكنها تذوق الموت وفرق كبير بين أن تذوق الموت وبين أن تموت ، قال تعالى :
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) ﴾
( سورة الزخرف)
الإنسان خلق ليبقى إلى أبد الآبدين ، يبقى في جنة عرضها السماوات والأرض أو في نار لا ينفذ عذابها ، البقاء مستمر لكن إما في جنة أو في نار لهذا أيها الأخوة الكرام ، أكبر خسارة يمكن أن نتصورها أن تخسر الآخرة ، قال تعالى :
﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (15) ﴾
( سورة الزمر)
هذه القراءة الأولى ، قال تعالى :
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق)
أقرب آية لك نفسك التي بين جنبيك ، قال تعالى :
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ ﴾ .
( سورة الأعلى )
هذا الماء الدافق ثلاثمئة مليون حوين ، تحتاج البويضة إلى حوين واحد ، قال تعالى :
﴿ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) ﴾
( سورة الطارق )
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) ﴾ .
( سورة عبس)
أمر إلهي لذلك هذه قراءة ، اقرأ ولتنتهي قراءتك إلى معرفة ربك ، اقرأ ولتنتهي قراءتك إلى معرفة سر وجودك وغاية وجودك .
في قراءة ثانية متعلقة باسم الأكرم ، القراءة الثانية :
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) ﴾
( سورة العلق)
ماذا منحك ؟ نحن موجودون لو اطلعت على كتاب نضدت حروفه قبل تاريخ ميلادك ، أثناء تنضيد حروف هذا الكتاب أنت من ؟ لا شيء ، قال تعالى :
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) ﴾
( سورة الإنسان )
إطلاقاً مالك وجود ، مالك اسم ، مالك اسم بالنفوس ، ليس لك أي اسم بأي مكان ، لم يكن لك وجود ، إذاً الله عز وجل أكرمك أي منحك أكبر عطاء أنه أوجدك ، منحك نعمة الإيجاد أوجدك وأودع فيك حاجات ، أودع فيك حاجة إلى الهواء ، والهواء موجود بنسب رائعة لو أن هذه النسب تغيرت لاحترق كل ما في الأرض ، الأوكسجين إلى الأزوت ، منحك نعمة الإيجاد ومنحك نعمة الإمداد وهذا الكون سخره لك بنص قرآني :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾ .
( سورة الجاثية الآية : 13 )
ما نوع التسخير ؟ قال تسخيران تسخير تعرف وتسخير تكريم ، كل شيء في الأرض مسخر لك تسخيرين ، تسخير تعريف وتسخير تكريم .
إذا قرأت كتاباً عن العسل ذابت نفسك بهذا الشراب الذي فيه شفاء للناس ، وقد لا يتاح لك أن تلعق لعقة عسل واحدة لكنك إذا عرفت الله من خلال العسل حققت الهدف من العسل أنه عرفك بالله ، والذي يأكل العسل ليلاً ونهاراً ولم يفكر في هذا الشراب الذي جعل الله فيه شفاء للناس عطلت أكبر هدف من خلق هذه الآية ، تأكد أن أي شيء في الأرض له وظيفتان ، له مهمتان ، سخر لك تسخيرين تسخير تعريف وتكريم ، تماماً كما لو قدم لك صديق هاتفاً فيه خصائص مذهلة من اختراعه وقدمه هدية لك أنت دون أن تشعر ينطوي قلبك على شعورين ، شعور الإعجاب بهذا الاختراع وشعور الامتنان بأنه هدية ، فدقق لما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
نظر إلى هلال قال هلال خير ورشد .
هذا الكون مسخر لنا تسخيرين ، تسخير تعريف وتسخير تكريم ، رد فعل التعريف أن تؤمن ، ورد فعل التكريم أن تشكر ، فإذا آمنت وشكرت ، دقق الآن حققت الهدف من وجودك فإذا حققت الهدف من وجودك توقفت المعالجات الإلهية ، الآية :
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾ .
( سورة النساء الآية : 174 )
لأنه منحك الكون ، لأنه سخر لك الكون تسخير تعريف ينبغي أن تؤمن ولأنه سخر لك الكون تسخير تكريم ينبغي أن تشكر ، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك إذاً تنتهي المعالجات ، طبيب قرر استئصال كلية قبل أن يستأصلها عمل فحصاً تعمل ، ألغى العملية ، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك لذلك ربك الأكرم ينبغي أن تكون قراءتك للكون قراءة شكر وعرفان .
أول قراءة قراءة بحث وإيمان ، القراءة الثانية قراءة شكر وعرفان ، منحك نعمة الإيجاد ، منحك نعمة الإمداد ، يوجد هواء ، يوجد ماء عذب زلال ، يوجد زوجة ، يوجد أولاد ، يوجد طعام ، شراب ، فواكه ، معادن ، كل شيء ، لذلك القراءة الثانية قراءة شكر وعرفان ، ما لم يمتلئ قلبك شكراً لله فأنت بعيد عن الإيمان .
1 ـ هداية المصالح :
لذلك أول كلمة في الفاتحة الحمد لله رب العالمين ، منحك نعمة الإيجاد ، منحك نعمة الإمداد ، منحك نعمة الهدى والرشاد ، أما الهدى أيها الأخوة الكرام ، على أنواع أول هدى ، هداك إلى مصالحك ، يعني لما الإنسان تكسر يده مصممة اليد على أن تلتئم ، حينما يجرح الجلد مصمم على أن يلتئم ، هداك إلى مصالحك ، أنت تمشي أعطاك قدمين لطيفتين لكن يقابلهم جهاز توازن لولا جهاز التوازن لما أمكنك أن تمشي على قدميك ، لذلك الميت لا يقف ما في توازن ، التوازن ثلاث قنوات متداخلة فيها سائل ، فيها أهداب لما تميل السائل يبقى مستوياً يرتفع بمكان دون مكان ، بالمكان المرتفع في أهداب يصلح الإنسان ، لولا جهاز التوازن ما في إنسان يمشي على قدمين ، ما في إنسان يركب دراجة .
إذاً هداك إلى مصالحك ، الطعام فيه سم تتقيأه ، الجرثوم دخل في جهاز مناعة ، تحدثت عنه البارحة هداك إلى مصالحك ، الأشياء التي تؤذي تكرهها ، الأشياء التي تحبها محببة إليك تنفعك ، لو أنه جعل الطعام كريهاً ، لن يأكل ، الطعام التفاحة مثلاً حجمها مناسب قوامها هش فيك أن تأكلها لا تحتاج إلى آلة طحن أحجار ، فيها غذاء ، فيها رائحة طيبة ، فيها شكل جميل هداك إلى مصالحك هذا أول هدى .
2 ـ هداية الوحي :
ثم هداك بالوحي ، جاءك وحي من السماء ، بيّن لك من أنت ، أنت المخلوق الأول ، لماذا خلقت ؟
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾ .
( سورة الذاريات )
فأول هداية هداية المصالح ، ثاني هداية هداية الوحي .
3 ـ هداية التوفيق :
ثالث هداية هداية التوفيق ، قال تعالى :
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) ﴾
( سورة الكهف)
التوفيق هداية ، أنت فكرت في خلق السماوات والأرض ، تمنيت أن تقدم عملاً بين يديك يمنحك المال ، يمنحك القوة ، تمنيت أن تكون داعية يطلق لسانك في التعريف به ، منحك نعمة الإمداد .
4 ـ هداية الجنة :
آخر هداية إلى الجنة ، قال تعالى :
﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) ﴾
( سورة محمد)
هداك إلى مصالحك ، الطفل أول ما يولد لو أنه مال يتابع الميل حتى يقع ، بعد ثلاثة أشهر يكون جهاز التوازن بدأ يعمل ، لو أنت ميلته يجلس ، هذه هداية ، هداك إلى مصالحك ، أحياناً التقيؤ هو إخراج ما في المعدة يكون الطعام فاسداً ، إذا في فساد الإنسان يتقيأه ، إذا الجنين في تشوه يسقط ، السقط هو جنين مشوه ، في أشياء بالطب وأشياء بالتشريح وأشياء بالفيزيولوجية مذهلة .
السعال في أشعار هدبية بالقصبة الهوائية تتحرك نحو الأعلى باستمرار ، و حتى الآن لم تنجح جراحة الرئتين لأن الذي تزرع رئته لا يسعل ، و السعال أساسي في سلامة الرئة ، فالسعال هداك إلى مصالحك ، التقيؤ هداك إلى مصالحك ، التوازن هداك إلى مصالحك ، الآن أعراض الأمراض هداك إلى مصالحك ، لكل داء دواء ، الأمس ذكرت طبيب من إنكلترا ، درس بأمريكا ، عُين مع شركة عملاقة في الصين ، داوى شخص ياباني ، هو إنكليزي و درس بأمريكا و عمله بالصين و المريض ياباني ، إذا لم يوجد بنية واحدة للبشر ، بنية تشريحية واحدة و وظائف فيزيولوجية واحدة ، كان لا يوجد طب ، هذا التوحد ، أما يا رب لو تشابهت ورقتا زيتون لما سميت الواسع ، كل إنسان له شكل وجه ، له هوية ، قزحيته هوية ...
إذاً منحك نعمة الإيجاد ، و منحك نعمة الإمداد ، و منحك نعمة الهدى و الرشاد ، الهدى هداك على مصالحك ، و الهدى هداك إليه بالوحي ، و الهدى وفقك ، هداية التوفيق ، و أوضح شيء :
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) ﴾
( سورة الكهف)
هذا معنى قوله تعالى :
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) ﴾
(سورة الفاتحة)
أي لا حول يا رب عن معصيتك إلا بك ، و لا قوة على طاعتك إلا بك ، و إياك نعبد و إياك نستعين هذه هدى التوفيق ، ثم يهديك إلى الجنة :
﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) ﴾
( سورة محمد)
والحمد لله رب العالمين
[img][/img]