يوم الخامس عشر من شهر شتنبر من كل سنة ، لا استطيع وصف النشاط و الحيوية قبل الخروج من المنزل فالتلميذ هو اول من ينهض من الفراش ويتهيأ للمدرسة .
فعلا ذلك اليوم شبيه بيوم العيد بالنسبة لكل طفل متمدرس ، فالجميع فرحون يتساوى فيه المجتهد والكسول ، نقوم بشراء القلم الجاف الازرق ونبحث عن بعض الاوراق الفارغة من دفاتير دروس السنة الماضية . نقوم بطي الورقة الفارغة على اربعة وندخلها بين القلم وغطائه ، منا من يقوم بحمل القلم الملتصق بالورقة المطوية مشكلا لعبة تشبه الطائرة نتجمع على باب المدرسة ، نحي بعضنا البعض ، وكنا نوفر على بعضنا البعض تلك الاسئلة الروتينية التي يطرحها ابناء الاسر الغنية
مثل اين قضيت عطلتك الصيفية ؟ فيجيب الاخر كنت بالمخيم الصيفي بشاطئ المهدية . أو قضيتها برفقة عائلتي باسطمبول .
فنحن معروفين ومحسوبين على رؤوس الاصابع البعض تلتقيه في ملعب لكرة القدم ( اروجن) او ملعب ( امارغن) .
بحقول ومزارع الدواوير المتواجدة بالقرية
ملاعب تشكل بعد جمع الحصاد مباشرة ورعي الماشية عليها ، نحول تلك القطعة الارضية الى ملعب ، وكان اصحاب الارض مرات يطردوننا من تلك الارض بحجة انها لا تصلح للزراعة وان لعب الكرة عليها يضيع تربتها .لكن العكس الذي كنا نشاهده فالأراضي التي كنا نلعب عليها هي من تخرج محاصيل أكثر من غيرها.
ومرة نجد مشاكل مع صغار أصحاب الفلاحين الذين يتحكمون في تسير المقابلات بحجة ان الملعب ملعبهم فأبسط هفوة تجعل ابن صاحب الأرض يهددنا بجمع الكرة والبحث عن ملعب آخر، فالملعب لا يرتاده صغار اللاعبين فقط بل كل الرعاة الصغار خصوصا التلاميذ الذين يقضون عطلتهم الصيفية حيث تلتقيهم رفقة الاغنام والمعز في الحقول المجاورة يرعى بعضها كنا نلتقي مساءا منا من يرعى 6 نعاج وأكثرنا لديه 25 نعجة . ننظم يومنا مقابلات في كرة القدم واذا وقع خصام نحولها الى لعبة اخرى حتى غروب الشمس ونعود أدراجنا مع الاغنام الى منازلنا
وكنا نعاتب من طرف الآباء الذين ينظرون الى بطون الاغنام فيجدونها غير ممتلئة (خماصا) .منهم من يقول كنتم تلعبون الكرة وحرمتم الاغنام من العشب في الاماكن البعيدة عن الملعب.
المهم كل اللائحة الاسمية تراها في الملعب فلا يسطيع احد ان يكذب ويقول انني قد ذهبت الى البحر او الى افران ،أو ..أو
يفتح الحارس باب المدرسة ندخل القسم وننتظر المعلم.
يدخل المعلم نحييه يعرفنا باسمه ان كان جديدا بكتابة اسمه بأحرف كبيرة على السبورة وبعدها يكتب اللاوازم والادوات المدرسية الضرورية والمقررة .وحينما يحين يوم السوق ، يوم شراء تلك الأدوات والكتب يوم جميل ننتظره بفراغ الصبر تعم فيه الفرحة والسرور في قلوب كل التلاميذ وايام عصيبة بالنسبة للإباء حيث في هذا الشهر وهذا الموسم سيدفعون بكل ما جمعوا من مال لشراء الكتب والادوات المدرسية ومنهم من يضطر إلى بيع احد نعاجه او دجاجاته او اي شيء من حيواناته الاليفة .
المهم لم اعرف ان فرحتي تلك خصوصا في بداية الموسم الدراسي كانت تقابلها قرحة وحزن بالنسبة لوالدي بل العجيب انهم كانوا يشاركوننا تلك الفرحة بل كانوا يشترون لنا ملابس جديدة وأحذية لامعة من نوع مشلان وغيرها وكل ما يلزمنا وكانوا يضحون بتلك النعاج التي كن نرعاها ويا ليتنا كنا ندرك معاناة أهلنا لنحسن رعيها كي تسمن وتصح حتى وان بيعت ، بيعت بثمن معقول قد يغطي كل مصاريف الموسم الدراسي وما يرافقه .
ومن لم يجد ما يبيعه يتدين او يبيع أكياس من محصوله الزراعي ، أكياس الحنطة ( الشعير) وكانت المعاناة تتضاعف لدى بعض الأسر خصوصا من لديها ثلاث أو أربعة من المتمدرسين .
تمضي الأسابيع الأولى من الموسم الدراسي ونحن ما زلنا منتشين فرحين بين الفينة والأخرى نراقب محافظنا ونخرج كتبنا نغلفها ونكتب أسماءنا في الصفحات الأولى.
وكثير من الآباء يتعجب لحماس الأبناء في تلك الأسابيع الأولى . وفي هذين الأسبوعين يتساوى مستوى كل التلاميذ في الأقسام فمن الصعب ان تفرق بين الكسول والمجتهد .
لا ادري لماذا ينطفئ ذلك الحماس وتلك الشعلة والرغبة في الدراسة لدى بعض التلاميذ
ومن المسؤول عن إطفائها ؟
ومع بداية الأسبوع الثالث وإخراج المعلم للعصي من درج مكتبه تنطفئ بعض المصابيح نهائيا وتعمى بصيرتهم وتقيد ذاكرتهم ويتم اغتيال إبداعهم مبكرا .
.....................................
ولا يرجع هذا الحماس وهذه الفرحة إلا في العطل القصيرة والعطلة الصيفية ..