يوم الجمعة 13-12-2013
الموضوع:
هل عرفت طريق الأمان..؟
مقدمة:
حروب طاحنة..قتل بدون معرفة السبب..إرهاب وجرائم منظمة..فيضانات مدمرة..حرائق تتلف الأخضر واليابس..زلازل وبراكين..قحط وجذب وقلة أمطار..كل هذا ومثله يدور في العالم
وصدق الجبار إذ يقول:{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم:41).
فما من مصيبة على مستوى الفرد أو المجتمع إلا وهي نتاج معصية رب الأرض والسموات أخبرنا ربنا عن ذلك بقوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ()وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (الشورى:30-31)
اين الامان ؟
ويتلفت المرء حائراً مفزوعاً كيف لي بالأمان..؟. كيف لمجتمعي بالأمان..؟.فنقول له اطمئن فإن الله بكرمه ومنه وجوده أعطانا أمانين من عذابه وانتقامه وذلك بقوله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال:33).
"قال ابن عباس رضي الله عنه : إن الله جعل في هذه الأمة أمانين لا يزالون معصومين مجارين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم,
1 - فأمان قبضه الله إليه وأمان بقي فيكم"(انظر تفسير ابن كثير للآية)
إذن فقدت الأمة أمانا واحدا بموت نبينا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم
وما بقي للأمة إلا أمان واحد عليها أن تتمسك به وبقوة
2 - ألا وهو الاستغفار.الاستغفار طريق الأمان من الجذب والقحط وقلة الأمطار أخبرنا عن ذلك ربنا حكاية عن هود بقوله :{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارً} (هود:52).وعن نوح بقوله:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا()يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارً} (نوح:10-11).
-الاستغفار طريق الأمان من الفقر وسببٌ لكثرة المال والأولاد ورغد العيش أخبر عن ذلك ربنا بقوله في تتمة موعظة نوح لقومه:{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} (نوح:12).
-الاستغفار طريق الأمان من ضعف الأبدان وسببٌ لزيادة القوة البدنية أخبرنا عن ذلك ربنا في تتمة موعظة هود لقومه بقوله :{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} (هود:52).
-الاستغفار طريق الأمان النفسي والمعيشي أخبرنا عن ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقوله فيما أخرجه ابن ماجة وأبو داود:((مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ))(أبوداود،الصلاة،ح(1397)).
- وقد يعجب المرء لماذا يقل الاستغفار والمستغفرون في الأمة الإسلامية مع كل تلك الوعود الربانية المغرية..أمطار..وأموال..وبنين..وجنات.. وأنهار..؟.
أجابت عن ذلك الآيات بقول نوح لقومه:{ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارً} (نوح:13).
نعم والله لو عَظُمَ الله في قلوبنا لما فترت ألسنتنا من الاستغفار ؛
لما عظمت الدنيا في قلوبنا :
أنظر لما عَظُمَتْ الدنيا في قلوب الناس أصبحوا لا يملون ذكرها والحديث عنها في البيت .. وفي العمل.. وفي الشارع.. وحتى في المسجد الذي هو للصلاة والذكر وقراءة القرءان .والاعتكاف والعلم
هنا يمكن الحديث عن الكلام في المسجد .. والهاتف في المسجد
وهذا ليس من اداب المسجد ..
وتأمل معي أخي كيف لو قيل أن لكل استغفار عشر اورو هل ستجد هناك من يتحدث إليك..؟. الكل سيكون مشغولاً بالاستغفار حتى يستزيد من تلك الأموال.
استغفار ادم :
أخي الحبيب أجزم أنك بشوق لأن تعرف أفضل صيغ الاستغفار التي يحبها ربك ويستجيب لها؛إنها الصيغ التي تحتوي إقراراً بالذنب واعترافاً بالضعف أمام قوة الجبار العظيمة وقد شرع لك أول هذه الصيغ أبوك آدم يوم أن عصى ربه فتناول من الشجرة التي نُهي عنها فخشي من غضب ربه ففزع إلى ربه هو وزوجه مستغفرين نادمين قائلين:{...رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }(الأعراف:23)
استغفار موسى :
وهذا موسى يوم أن وكز الرجل فقتله بغير قصد استحضر عِظَم الجناية ففزع إلى ربه مستغفراً قائلاً:{..رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (القصص:16).
سيد الاستغفار:
أخي الحبيب تعال واستمع معي وأنصت بكل جوارحك فهاهو الحبيب صلى الله عليه وسلم يتكلم يخاطبك ويخاطبني ويخاطبنا جميعاً بقوله الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن شَدَّاد بْنُ أَوْسٍ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ :اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ.قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))(البخاري،الدعوات،ح(5831)).
الله أكبر ما أعظمه من كنز غفل عنه الغافلون..!.ثمرات الاستغفار الدنيوية كلها ثم الجنة..!.{سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ()الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ()وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ()أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (آل عمران:133-136).
عباد الله أكثروا من الاستغفار على كل حال تَطْهُر وتنقى قلوبكم وتفوزوا بلذة الطاعة وحلاوة المناجاة فهذا نبيكم وقدوتكم الذي غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ :((إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ))(مسلم،الذكر والدعاء،ح(4870)).
استغلال الوقت :
معاشر المؤمنين كم من الأوقات تذهب على بعض الناس هدراً،
فأوقات الذهاب للعمل.. أو الدراسة.. والعودة منها.. بماذا نملؤها..؟.
أوقات الانتظار عند الأطباء.. أو في المطارات.. ونحوها بماذا نملؤها..؟.أوقات أداء أعمال بدنية لا تحتاج لتركيز ذهني بماذا نملؤها..؟.
تخيل أخي لو أنك ملأت كل أوقات فراغك بالاستغفار كم ستكسب من خيري الدنيا والآخرة؛ تذكر معي تماماً..مغفرة..وقوة..وأموال وفيرة..وأولاد..وجنات..وأنهار..ومن كل ضيق مخرجاً..ومن كل هم فرجاً.ماذا تريد أخي أكثر من ذلك..؟.
اين المستغفرين بالاسحار .. قد تجد من وصل عليه وقت السحر وهو مازال مع متاهات الانترنت .. " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالاسحار هم يستغفرون "
بيد أن الأمر ليس مجرد تحريك اللسان بكلمات لكنه التوبة الحقَّة بشروطها المعروفة ..والا ستدخل تحت قولهم : ان استغفارك يحتاج الى استغفار .. يعني قلبه لاه مع الدنيا .. وهذا يحتاج الى استغفار اخر فيه الخشوع والتدبر والخوف والرجاء .. المسبحة ..
إذن هياأحبتي لنأخذ بيد أهلينا وجيراننا وأقربائنا وزملاء العمل وجميع المجتمع نحو الاستغفار ..هيا
لنأخذ بيد أفراد المجتمع نحو الغفور الرحيم.وطوبى لمن وجد في صحيفته يوم القيامة استغفارا
خاتمة
ذكر الامام بن الجوزي ان الامام احمد بن حنبل رحمه الله دخل مسجدا
لصلاة الفجر فلما قضيت الصلاة طلب منه البواب الخروج .. فقال اريد
ان ابقى في المسجد .. فرماه البواب الى الخارج .. فبقي في العراء
في وقت البرد .. فراه صاحب فرن فادخله فربح الامام الخبز والدفء
وبينما هو جالس اذ يرى الذي يعجن الخبز ويسمعه يستغفر الله
فقال له ما لك تستغفر طول الوقت .. فقال هذاحالي
وقد حصلت على كل ما اريد .. بسبب الاستغفار الا حاجة واحدة
وامرا واحدا لا زلت لم احصل عليه .. قال له الامام وما هو؟
قال الخباز اريد النظر الى وجه احمد بن حنبل ..ولم يعرفه
فقال الامام .. هاهو احمد بن حنبل قد جر اليك من كراعه
فانظروا ايها الناس الى فضل الاستغفار كيف تقضى به حوائج
الناس
فلنسال اذن شبابنا كم من مرة يستغفرون الله .. هل العدد يساوي
عدد نقرات الاصبع على الجوال..هناك من الشباب من يستغل هاتفه
الذكي في البحث عن احسن مقرئ واحسن موعظة .. واحسن فائدة
وهناك من يضيع جميع اوقاته في الدردشة الخاوية فالاول رابح والثاني خاسر.. المسلم مميز عن غيره .. يجب ان يبحث دائما عن المنفعة ..
الحكمة ضالة المؤمن انى وجدها التقطها ..والملاحظ ان الغفلة موجودة بكثرة بين الناس وخاصة في هذه البلاد مع توفر جميع مسببات الفتنة
والغفلة فوجب تذكير الناس بذكر الله والرجوع اليه ..وهذا هو الهدف من الخطبة ..الخ