[VIDEO [/quote][/youtube][/quote السلام عليكم .. أيها الإخوة : لم أكتب المقدمة تجنباً للتطويل .. أَمَّا بَعْدُ:[color=blue] [b]فَاتَّقَوْا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَحْيُوا رَابِطَةَ الإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ، وَاعْتَزُّوا بِهَا دُونَ غَيرِهَا؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى سَمَّاكُمْ المُسْلِمِينَ، وَجَعَلَ الفَخْرَ بِهِ أَحْسَنَ الْقَوْلِ [وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] {فصِّلت:33} أَيُّهَا النَّاسُ: إِذَا عُمِرَ قَلْبُ العَبْدِ بِالإِيْمَانِ اِمْتَلَاءَ بِالرَّحْمَةِ والإِحْسَانِ؛ فَيُحِسُّ بِإِخْوَانِهِ، وَيَتَمَنَّى الخَيْرَ لَهُمْ، وَيَتَأَلَّمُ لما يُصِيبُهُمْ ؛ لِأَنَّ رَابِطَةَ الإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ لَا تُنَازِعُهَا رَابِطَةٌ أُخْرَى، فَيَسْتَحْضِرُ قَوْلَ الله تَعَالَى [وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ] {التوبة:71} وَقَولَهُ تَعَالَى [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] {الحجرات:10} . وَيُحَوِّلُ ذَلِكَ إِلَى وَاقِعٍ عَمَلِيٍّ فِي حَيَاتِهِ؛ فَإِنْ رَأَى مَرِيضًا تَأَلَّمَ لِمَرَضِهِ، وَسَعَى فِي التَّخْفِيفِ عَنْهُ، وَإِنْ أَبْصَرَ فَقِيرًا مُعْدَمًا بَذَلَ لَهُ مَا يُعِينُهُ عَلَى عَيْشِهِ، وَإِنْ سَمِعَ عَنْ مُصَابِ مُسْلِمٍ اِنْزَعَجَ وَدَعَا لَهُ، وَإِنْ أَحَسَّ تَغَيُّرًا فِي الْجَوِّ ؛ قَلِقَ عَلَى إِخْوَانِهِ المُسْلِمِيْنَ، وَتَذَكَّرَ أَحَوَالَ الضَّعَفَةِ وَالْعَاجِزِينَ ... إِنَّ الشُّعُورَ بِالأُخُوَةِ الإِيْمَانِيَّةِ هُوَ أَعْظَمُ شُعُورٍ فِي الْعَلَاقَاتِ البَشَرِيَّةِ كُلِّهَا...لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، وَمِنْهَا:(( المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا))، وَمِنْهَا:((مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )) ...فهذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما وفد عليه وفد مضر تمعر وجهه لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الفَاقَةِ؛ فَخَطَبَ النَّاسَ؛ يَحُثُّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ، فلما تَتَابَعَ النَّاسُ بِالصَّدَقَةِ حَتَّى كَثُرَتْ، وَسُدَّتْ حَاجَتُهُمْ؛ تَهَلَّلَ وَجْهُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الفَرَحِ،... وَيُلَخِّصُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذَلِكَ بِقَولِهِ:«إِنِّا وَالله قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ، يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتَّبِعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ»رَوَاهُ أَحْمَدُ . هَكَذَا كَانَ إحساسه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالمُؤْمِنِينَ، وَمَحَبَّةً لَهُمْ، وَرَحْمَةً بِهِمْ، وَسَعْيًا فِي نُصْرَتِهِمْ وَنَجْدَتِهِم. وَأَخَذَ الصّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ هَذَا الخُلُقَ النَّبِيلَ عَنْهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَكَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يُقَدِّمُ أَخَاهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُؤْثِرُ غَيْرَهُ عَلَى أَهْلِهِ، وَيُحِسُّ بِمُصَابِ إِخْوَانِهِ، وَيَشْعُرُ بِمُعَانَاتِهِم، وَيَقِفُ مَعَهُمْ فِي كُرُوبِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ ...فَعَائِشَةُ بَعْثَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُُ عَنْهُمَا إِلَيْهَا بِمِئَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَمَا أَمْسَتْ حَتَّى فَرَّقَتْهَا، فَقَالَتْ لَهَا مَوْلَاتُهَا:«لَوْ اشْتَرَيْتِ لَنَا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ لَحْماً? فَقَالَتْ: ألَا قُلْتِ لِي؟!». لَقَدْ نَسِيَتْ نَفْسَهَا أَثْنَاءَ اهْتِمَامِهَا بِغَيرِهَا؛ عِلْمًا أَنَّهَا كَانَتْ صَائِمَةً ذَلِكَ اليَومِ وَلَا فَطُورَ عِنْدَهَا، وَقَدْ فَرَّقَتْ عَلَى الضُّعَفَاءِ مِئَةَ أَلْفٍ وَلَمْ تُبْقِ دِرْهَمًا لِفُطُورِهَا!! وَكَانَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَإِذَا أَصَابَ شَيْئاً اشْتَرَى بِهِ لَحْماً أَوْ سَمَكاً ثُمَّ يَدْعُو المُجَذَّمِينَ فَيَأْكُلُونَ مَعَهُ. ولمَّا غَلَا السَّمْنُ فِي عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اكْتَفَى بِالزَّيْتِ؛ فَقَرْقَرَ بَطْنُهُ مِنْهُ، فَقال رضي الله عنه:«قَرْقِرْ مَا شِئْتَ، فَوَالله لاَ تَأْكُلُ السَّمْنَ حَتَّى يَأْكُلَهُ النَّاسُ». وَجَاءَ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِم، مِنْ خُلَفَاءَ وَعُلَمَاءَ وَصَالِحَينَ؛ فَحَمَلُوا ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَأَحْيَوْا الأُخُوَّةَ الإِيمَانِيَةَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَلَمْ يَحِيدُوا عَنْ أَخْلَاقِ أَسْلَافِهِمْ، وَوَاسَوْا غَيْرَهُمْ فِي مُصَابِهِم... ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ امْرَأَةُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مُصَلَّاهُ مُعْتَمِدًا، يَدُهُ عَلَى خَدِّهِ، سائِلَةٌ دُمُوعُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقُلْتُ:«يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَلِشَيْءٍ حَدَثَ؟ قَالَ: يَا فَاطِمَةُ، إِنَّي تَقَلَّدْتُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَحْمَرَهَا وَأَسْوَدَهَا، فَتَفَكَّرْتُ فِي الْفَقِيرِ الْجَائِعِ، وَالمَرِيضِ الضَّائِعِ، وَالغَازِيْ المَجْهُودِ، وَالمَظْلُومِ المَقْهُورِ، وَالغَرِيبِ الأَسِيرِ، وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَذِي الْعِيَالِ الْكَثِيرِ وَالمَالِ الْقَلِيلِ، وَأَشْبَاهِهِم فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَأَطْرَافِ الْبِلَادِ، فَعَلِمْتُ أَنَّ رَبِّي سَيَسْأَلُنِي عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ خَصْمِي دُونَهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَخَشِيتُ أَنْ لَا يُثَبِّتَ لِي حُجَةً عِندَ خُصُومَتِهِ، فَرَحِمْتُ نَفْسِي فَبَكَيتُ» أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مَنْ تَأَمَّلَ وَاقِعَ المُسْلِمِيْنِ اليَومَ وَجَدَ أَنَّ الأَثَرَةَ قَدِ اِسْتَحْكَمَتْ عَلَى الْقُلُوبِ، وَأَنَّ حُبَّ الذَّاتِ قَدْ مَلَكَ النُّفُوسَ؛ وَلِذَا لَا يَتَأَثَّرُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِمُصَابِ إِخْوَانِهِم، وَلَا يَأْبَهُونَ بِمَا حَلَّ بِغَيْرِهِمْ.. وَفِي مَوْجَةِ الْبَرْدِ الَّتِي مرّت بنا قبل أَيَّامٍ رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ حَصَّنُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَوْلَادَهُم وَبُيُوتَهُمْ مِنْهَا بِأَنْوَاعِ التَّدْفِئَةِ، لَكِنْ مَنْ مِنَّا تَذَكَّرَ حَالَ الْفُقَرَاءِ الذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَتَدَفَئُونَ بِهِ؟! مَنْ مَنَّا فَكَّرَ فِي حَالِ مَنْ يَسْكُنُونَ الصَّفِيحَ، يَتَجَمَّدُ فِيهِ أَطَفَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُم مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَهُمْ إِخْوَانُنَا ... مَنْ مِنَّا تَذَكَّرَ المُشَرَّدِينَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي مُخَيَّمَاتٍ بالِيَةٍ، فِي فِلَسْطِينِ وفِي سوريا وَغَيْرِهَما، يَفْتَرِشُونَ أَرْضَاً بَيْضَاءَ مِنَ الثلج، لَيْسَ بَيْنَ أَجْسَادِهِمْ وأَجْسَادِ أَطْفَالِهِمْ وَبَيْنَ الْجَلِيدِ إلَّا قِطْعَةُ حَصِيرٍ، يَنْخَرُ الْبَرْدُ الْقَارِسُ عِظَامَهُمْ وَعِظَامَ أَطِفالِهِمْ، مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَالظُلْمِ وَالقَهْرِ؟! مَنْ مِنَّا أَحَسَّ بِهِمْ فَجَفَاهُ النَّومُ لِأَجْلِهِم؟! مَعَ أَنَّ صُوَرَهُمْ تُنْقَلُ إِلَينَا لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ، وَشِدَّتَهُمْ وَكَرْبَهُمْ يَحْكِيهَا لِسَانُ حَالِهِمْ وَمَقَالهِمْ، لَا يَجِدُونَ كِسَاءً يَحْتَمُونَ بِهِ مِنَ البَرْدِ، وَلَا طَعَامًا كَافِيًا يَمُدُّ أَجْسَادَهُم بِالدِفْءِ، فَلِمَاذَا تَغَيَّرَ حَالُ المُسْلِمِينَ حَتَّى أَصْبَحَ الوَاحِدُ مِنْهُمْ يَعِيشُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَهْتَّمُ لِغَيرِهِ.. أَهُوَ التَّرَفُ الذِّي أَلْهَاهُمْ عَنْ غَيرِهِمْ؟ أَمْ هِيَ كَثْرَةُ الصَوَارِفِ وَالأَخْبَارِ التَّي يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا حَتَّى كَثُرَ الإِمْسَاسُ فَفُقِدَ مَعَهُ الشُّعُورُ وَالإِحْسَاسُ؟! كُلُّ هَذِهِ أَسْبَابٌ صَحِيحَةٌ وَمُؤَثِّرَةٌ، وَلَكِنَّ السَبَبَ الأَهَمَّ وَالأَعْظَمَ هُوَ ضَعْفُ الرَّابِطَةِ الإِيمَانِيَةِ.. ضَعْفُ الشُّعُورِ بِالأُمَةِ الوَاحِدَةِ وَالجَسَدِ الوَاحِدِ. أَتَدْرُونَ يا عِبَادَ الله أَنَّ رَجلا مِنْ صَالِحِيِ هَذِهِ الأُمَّةِ اشْتَهَى لَحْمَا لَمْ يَذُقْهُ سَبْعَ سِنِّينَ، فَاشْتَرَى قِطْعَةَ لَحْمٍ عَلَى خُبْزٍ وَشَوَاهَا، فَلَمَّا هَمَّ بِأَكْلِهَا لَقِيَ صَبِيًا فَقَالَ لَهُ:«أَلَسْتَ أَنْتَ ابْنَ فُلَانٍ وَقَدْ مَاتَ أَبُوكَ؟ قَالَ: بَلَى، فَنَاوَلَهُ اللَّحْمَ وَالخُبْزَ، وَأَقْبَلَ يَبكِي وَيَقْرَأُ [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا] {الإنسان:8} مرجع الخطبة : من خطب الشيخ ابراهيم بن محمد الحقيل .. بتصرف كثير .