فضائل الشيب .. خطبة

السلام عليكم ورحمة الله

خطبة بعنوان : أهل الشيب في الإسلام

إن الحمد لله ...

يقول الله تعالى :

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} الروم.الآية 54

أيها الإخوة : نقف في هذه الخطبة مع ضعفٍ يسبقنا ، أو قد حلَّ ببعضنا ، مع الشيب والمشيب ، وهمه وهمومه ، وحلوه ومُرِّه .

حياة الكُهولة والمشيب محطة لا بد منها لمن أمدَّ الله في عمره .

الشيب - إخواني- ناقوس الضعف ، ونذير الفناء والرحيل،

هو المرارة بعد الحلاوة،والعجز بعد القوة،وهو المرض الذي لا يبرأ،والضيف الذي لا يرحل.

هذه نهاية عمر الإنسان، ومنتهى حياته، وصدق الله تعالى : {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس: 68]

وأهل القلوب الحَيّة يعتبرون هذا الشيب نذارةً من ربهم ؛ ليستعدوا بالعمل قبل حلول الأجل ،

فليس بعد هذا المشيب بضعفه ووهنه إلا رذائلُ الأعمار، والانتقال من هذه الدار .

وإذا شاب المرءُ، فقدْ أعذَرَه ربُّه بتعميره، وإمدادِه في فسحة حياته، وقد اشتدَّ عتابُ الله على أقوام عاشوا طويلاً ،

وامتدت حياتهم ، لكنهم لم ينتفعوا بأعمارهم ؛ قال الله تعالى :

{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} سورة فاطر ، الآية 37 .

فسَّر ابن عباس، وعكرمة، وسفيان بن عيينة، وغيرُهم، النذيرَ بالشيب .

لكن هذا الشيب ، وإن جاء بالضعف والعجز ، إلا أنه يحمل أبوابًا عظيمة من الأجر، لمن تحلى بالصبر .

أهل الشيب في الإسلام لهم من الفضائل ما ليس لغيرهم ، ومن ذلك :

- ما رواه مالك عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب

قال : كان إبراهيم أول من أضاف الضيف ... وأول الناس رأى الشيب ، فقال : يا رب ما هذا ؟ فقال الله : وقار . فقال : يا رب زدني وقاراً

- أن الله - تعالى - يبدلهـم بهذا الشيب نـورًا، ويكسوهم نورًا؛ قال صلى الله عليه وسلم :

((مَن شاب شيبة في الإسلام، كانت له نورًا يوم القيامة))

-  وطاب فضل الله - تعالى - وكرمه على أهل الشيب من المؤمنين ، بأن كافأهم بالحسنات ، وحطِّ الخطيئات ، ورفعةِ الدرجات ،

قال صلى الله عليه وسلم :

((لا تنتفوا الشيب ؛ فإنه نور يوم القيامة، ومن شاب شيبة في الإسلام كُتب له بها حسنة، وحُط عنه بها خطيئة، ورفع له بها درجة))

-  طوبى لمن شاب رأسه، وابيض شعره، وهو ثابت على طاعة ربه، ملازم لمرضاته،

سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الناس خير؟ قال: ((مَن طال عمره، وحسن عمله))،

قيل: فأي الناس شر؟ قال: ((من طال عمره، وساء عمله )).

قال الحسن البصري: أفضل الناس ثوابًا يوم القيامة المؤمنُ المعمَّر

- هنيئًا لأهل المشيب إكرام الله لهم، يوم أن قرن إجلاله بإجلالهم؛ قال صلى الله عليه وسلم :

((إنّ من إجلال الله – تعالى - إكرامَ ذي الشيبة المسلم .. ))

أهل المشيب إذا استقامت أعمالهم، وصلَحت أحوالهم  كانوا من أقرب الناس إلى ربهم ، عز وجل ، وكانوا أهلاً للرحمة ، وإجابة الدعاء

من الكريم الرحيم،  ولذا قدَّم زكريا - عليه السلام - دعواتِه لربِّه بشكاية حاله، وضعف قوته، واشتعال شيبته ، قال الله تعالى :

{قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} سورة مريم ، الآية 4

ومن حقِّ أهل الشيب أن يُوقَّروا ويُحترموا، ويُصغى لحديثهم، وتُقضى حوائجهم، مع تقديمهم في المجالس، وإيثار الأماكن لهم

جاء شيخ غريب يريد النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأبطأ الناس أن يوسعوا له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

(( ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا ))