حجية وثائق الحالة المدنية في إثبات النسب في العمل القضائي

[/center]
يعتبر موضوع إثبات النسب بوثائق الحالة المدنية من المواضيع التي أسالت الكثير من المداد ،بسبب ما ورد في الفصل الثامن من ظهير 8 مارس 1950 الذي كان ينص على ما يلي :" لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمس مقتضيات ظهيرنا الشريف هذا بما يجري به العمل من القواعد لدى المحاكم الراجع إليها النظر في الأحوال الشخصية أو الميراث " فهناك من ذهب إلى اعتبار أن النص واضح وبالتالي لا يمكن الاعتداد في إثبات النسب إلا وفق ما هو مقرر في مدونة الأحوال الشخصية بصريح النص . وهناك من ذهب إلى تجاوز منطوق النص ، واعتبر أن سجلات الحالة المدنية ذات حجية وسند قانوني لإثبات الوقائع التي تتضمنها وخاصة واقعة النسب .
وإذا كان الخلاف قائما حول حجية وثائق الحالة المدنية أمام وضوح الفصل 8 من ظهير 1950 فانه سيستمر لا محالة مع الغموض الذي يلف المادة 2 من قانون الحالة المدنية الجديدة التي تنص " تكتسي رسوم الحالة المدنية نفس القوة الاثباتية التي للوثائق الرسمية مع اعتبار الشروط الشرعية في إثبات النسب والأحوال الشخصية " فهذه الأخيرة أضفت صفة الوثيقة الرسمية على وثائق الحالة المدنية لكنها قيدتها بالأخذ بعين الاعتبار الشروط الشرعية أي الواردة في مدونة الأسرة المتعلقة بإثبات النسب ، وهو الأمر الذي نعتقد انه سيزيد من تعقيد الوضعية وتطوير النقاش ، وطرح العديد من التساؤلات من قبيل المادة 2 من قانون الحالة المدنية هل حلت الإشكال الذي كان قائما أم لا زال الأمر على حاله ؟ ما موقف القضاء من حجية وثائق الحالة المدنية في إثبات النسب ؟ وهل يعتبر التسجيل في سجلات الحالة المدنية من باب إقرار بالبنوة ؟
من خلال تتبع مجموعة من القرارات الصادرة من المجلس الأعلى ومحكمة النقض حاليا وبعض محاكم الاستئناف يمكن توزيع مواقف الاجتهاد القضائي المغربي بخصوص حجية وثائق الحالة المدنية في إثبات النسب إلى ثلاث أراء أساسية موزعة على الشكل الأتي :
الرأي الأول: يميل إلى عدم اعتمادها في إثبات النسب :
فقد صدر عن المجلس الأعلى مشكلا عن غرفتين قرار يحسم في مسالة أن التسجيل في الحالة المدنية لا يعد إقرار بالنسب حيث جاء فيه ما يلي " من المقرر فقها وقضاء أن النسب لا يثبت إلا بالوسائل المقررة في الفصل 89 من المدونة ( المادة 158 من مدونة الأسرة ) وليس ضمنها شهادة الميلاد وإن تسجيل مولود بسجل الحالة المدنية لا يعتبر إقرار بالبنوة ممن قام به .
فقد استبعد هذا القرار بشكل واضح أن يكون لرسم الولادة أية قوة اثباتية في إلحاق النسب بالأب المقر ، وحصر الوسائل التي يثبت بها في الوسائل المنصوص عليها في الفصل 89 م.ح.ش .الذي حلت محله المادة 158 م .ا .
الرأي الثاني : يتجه نحو إثباتها للنسب :
وهذا الاتجاه يمثل بعض قضاء الموضوع ويذهب إلى إضفاء الحجية على وثائق الحالة المدنية في إثبات النسب ، من ذلك قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء حيث جاء فيه " حيث أن المستأنف ادخل الولد رشيد الحالة المدنية حسبما هو بكناش حالته المدنية هو اعتراف منه بنسبه إليه ، ومن جملة الأشياء التي يثبت بها النسب إقرار الأب بالبنوة ولو في مرض الموت كما يدل على ذلك الفصلان 89 و92 من المدونة ... وحيث اتضح مما ذكر أن النكاح منفسخ بين المستأنف عليها وبان نسب الولد لاحق قطعا لأنه اعتراف به وادخله إلى حالته المدنية ...وفي نفس الاتجاه يسير قرار آخر صادر عن نفس المحكمة إذ جاء فيه :" حيث إن الهالك اقر بابنته الآنسة ميشال حسب وثيقة الحالة المدنية الموجودة في ملف النازلة بتاريخ 26/01/1940 فور تسجيل ازديادها في سجلات الحالة المدنية لمدينة وجدة ... مما يعتبر إقرارا منه بنسبها وجاء في قرار المجلس الأعلى :" أن وجود حكم سابق بتسجيل الطفل في الحالة المدنية حائز لحجية الأمر المقضي به ، يمنع سماع دعوى النسب بالاعتماد على اختلال مدة الحمل .
ومن أهم القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى في هذا الصدد أن إقرار الأب بالبنوة بتسجيله لولده قيد حياته في سجلات الحالة المدنية بحكم المحكمة يضع حدا لكل ادعاء من الغير بنفي نسب ذلك الولد منه، وان الشهادة المثبتة للنسب مقدمة على الشهادة النافية له ، كما صدر عن محكمة النقض قرارا ذهبت فيه إلى أن التصريح بازدياد البنت من قبل الأب لدى ضابط الحالة المدنية يعتبر إقرارا منه لثبوت نسبها إليه ، ولا يكفي ورثته لنفي نسبها إليه الادعاء المجرد بل لابد من بيان الأب الذي تنتسب إليه وان إنكار الأم البنت لا تأثير له مادام موضوع الدعوى يتعلق بنسبها لأبيها الذي اقر بها ولا يتعلق بها .
فيلاحظ أن المجلس الأعلى اعتبر تسجيل الأب لولده في الحالة المدنية بمثابة إقرار منه ببنوته ، واخذ بوثائق الحالة المدنية في إثبات النسب ، في نقض الدعاوى الرامية إلى نفيه وهذا ما يتوافق مع الفقه الإسلامي الذي يتشوف إلى لحوق النسب، ومع المادة 151 التي تنص على انه" يثبت النسب بالظن ولا ينتفي إلا بحكم قضائي "
الرأي الثالث : وثائق الحالة المدنية حجة في إثبات النسب ما لم يثبت ما يخالفها بالبينة المقبولة :
بحيث قرر المجلس الأعلى " أن المحكمة لما اعتمدت في قضائها على تسجيل المطلوبة في الحالة المدنية للهالك باعتبار أن ذلك التسجيل يعتبر إقرارا من الهالك بأبوته لها ، مع أن التسجيل في الحالة المدنية يكون حجة على ثبوت النسب ما لم يثبت ما يخالفه بالبينة المقبولة ، وبالتالي فان المحكمة مادام لم تناقش الوثائق التي تثبت ما يخالف ذلك ، والتي لم تكن محل طعن من طرف المطلوبة ، وقضت على النحو المذكور، فان قرارها جاء ناقص التعليل .وهذا القرار سيعزز بقرار آخر صدر بعد ذلك عن محكمة النقض نقضت فيه قرار لإحدى محاكم الاستئناف والتي اعتبرت المطاعنة بنت الهالك وألحقتها به بناء على قيامه بتسجيله بكناشه للحالة المدنية ودون أن تقوم بإجراء التحقيق المفيد في إثبات النسب أو نفيه ، خاصة وان الطاعنة تدعي بأنها معلومة الأبوين فإنها تكون قد عللت قرارها تعليلا ناقصا.
يتبع... المفتقر الى عفو الله م ز