يوم الجمعة 07--12--2012
الموضوع : الاسرة المتماسكة
قالَ اللهُ عزَّ وجلّ :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا
قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون "
أيهَا المؤمنونَ: لقَدِ اهتَمَّ الإسلامُ بكيانِ الأُسرةِ اهتماماً كبيراً، وأَوْلاَهَا عنايةً فائقةً، وقَدْ بيَّنَ القرآنُ الكريمُ هذَا
المعنَى، وعَدَّهُ
نِعمةً مِنْ نِعَمِ اللهِ تعالَى، قالَ سبحانَهُ: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً)
فالمجتمعُ
يحتاجُ إلَى أُسرةٍ صالحةٍ متماسكةٍ مستقرَّةٍ تتحَمَّلُ مسؤولياتِهَا، وتنهَضُ للقيامِ بأعبائِهَا، وتُحافِظُ عَلَى قِيَمِهَا وعادات
وتقاليدِهَا
وهِيَ مسؤوليةُ الأبوَيْنِ
فمَا أجمَلَ أَنْ يكونَا قدوةً صالحةً لأولادِهِمَا، فإِنَّ الولدَ مرآةٌ تنعكِسُ عليهَا أخلاقُ أبوَيْهِ
وفِي تنشئةِ الأولادِ نشأَةً صالحةً مستقيمةً علَى القِيَمِ الأخلاقيةِ
والمبادئِ الدينيةِ إرضاءٌ للهِ تعالَى، ونَفْعٌ للنَفْسِ وإسهَامٌ فِي
نَهضةِ المجتمعِ، وذلكَ منهجُ الأنبياءِ والرسُلِ عليهِمُ السلامُ فِي تربيةِ أولادِهِمْ، قالَ تعالَى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ
وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) فمراعاةُ الأولادِ بِحُسْنِ العنايةِ والتوجيهِ
والمشاركةُ فِي انتقاءِ أصدقائِهِمْ مسؤوليةُ الأبَوَيْنِ، وقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ
فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ »
وتخصيصُ وقتٍ للجُلوسِ معَ الأولادِ والتحاوُرُ معَهُمْ يُثرِي أفكارَهُمْ، ويُنمِّي مواهِبَهُمْ، ويُصحِّحُ ثقافَتَهُمْ، ولاَ تَمنعُ أعباءُ
الحياةِ ومشاغلُ العملِ مِنَ التواصُلِ معَ الأولادِ
عبادَ اللهِ: وقَدْ بيَّنَ القرآنُ الكريمُ الأُسسَ التِي تحفظُ علَى الأُسرةِ سعادتَهَا
واستقرارَهَا، وتقودُهَا إلَى بَرِّ الأمانِ، فمِنْ ذلكَ أَنْ يَسُودَ الوئامُ والاحترامُ بيْنَ أفرادِ الأُسرةِ، فالزوجُ يحترِمُ زوجتَهُ
ويُكْرِمُهَا ويُحْسِنُ عِشْرَتَهَا، قالَ تعالَى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) والزوجةُ تحرِصُ علَى احترامِ زَوْجِهَا، ورعايةِ حقِّهِ
وطاعتِهِ، قالَ تعالَى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) وأكَّدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنْ
يحترِمَ الصغيرُ الكبيرَ، ويحنُوَ الكبيرُ علَى الصغيرِ فقالَ صل الله عليه وسلم :« لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ
كَبِيرَنَا».
أيهَا المسلمونَ: ومِنَ الأُسسِ المهمةِ التِي أوصَى بِهَا النبِيُّ صلى الله عليه وسلم لاستقرارِ الحياةِ الأُسريةِ
استعمالُ الكلمةِ الطيبةِ فِي الحوارِ بيْنَ أفرادِ الأُسرةِ، فالكلمةُ الطيبةُ لِسانُ الزوجَيْنِ، فهِيَ تأسِرُ القلوبَ، وتأخُذُ بِمجامِعِ
الفؤادِ إلَى الحرصِ علَى إرضاءِ قائِلِهَا، والرجلُ يتلمَّسُ الكلمةَ الطيبةَ مِنْ زوجتِهِ أكثرَ مِنْ أيِّ شيءٍ آخرَ، وكذلِكَ المرأةُ
تتلمَّسُ الكلمةَ الطيبةَ مِنْ زوجِهَا، ورَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول:« الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»
وهذَا يقتضِي أَنْ لاَ يكونَ البيتُ مَيْداناً لاستعراضِ الخلافاتِ أَوْ مُناقشتِهَا أمامَ الأولادِ، فالأُسرةُ الناجحةُ هيَ التِي تُواجِهُ
العقباتِ بحكمةٍ وروِيَّةٍ وثباتٍ، وتسعَى لِحَلِّ خلافاتِهَا داخلَ البيتِ، فانتشارُ أسرارِ البيتِ خارجَهُ يؤَجِّجُ الخلافَ، ويؤخِّرُ
الحلَّ، وقَدْ وجَّهَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم الزوجَ إلَى استعمالِ الحكمةِ فِي بيتِهِ، فإذَا حدَثَ خلافٌ معَ زوجتِهِ أَوْ أَحدِ أفرادِ
أُسرتِهِ فينبغِي أَنْ يكونَ الحوارُ بالحسنَى هوَ وسيلةُ الحلِّ، فعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِسْلاَمُ؟ قَالَ : " طِيبُ الْكَلاَمِ ...."
عبادَ اللهِ: ومِنَ الأُسسِ العظيمةِ التِي تُحقِّقُ تَماسُكَ الأُسرةِ وتُديمُ المحبَّةَ والأُلفَةَ بيْنَ أفرادِهَا
بِرُّ الوالدَيْنِ، والبِرُّ
منْزلَةٌ فوقَ الاحترامِ، وهوَ يقتضِي التكريمَ والتقديرَ والإجلالَ والتبجيلَ، وقَدْ جعلَ اللهُ تعالَى شُكْرَ الوالدَيْنِ مقرونًا
بشُكْرِهِ، قالَ سبحانَهُ: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ) ومعَ أنَّنَا مأمورونَ بِبِرِّ الوالدَيْنِ إلاَّ أنَّ الإسلامَ أعْطَى للأُمِّ منْزلةً خاصَّةً، وجعلَ لَهَا ثُلُثَي
الْبِرِّ وذلكَ لِمَا لَهَا مِنْ فضْلٍ فِي استقرارِ البيتِ، فهِيَ عمودُ الأُسرةِ، فإذَا اختلفَ الإِخوةُ فعندَهَا يتفقُونَ، وإذَا
افترقُوا فبِهَا يجتمعُونَ، وعندَمَا ينتابُهُمُ الْهَمُّ أَوِ الضِّيقُ فإلَيْهَا يُهْرَعُونَ، وهيَ التِي تصنَعُ الرجالَ، ويتخَرَّجُ علَى
يدَيْهَا الأجيالُ، ولعظيمِ فضلِهَا جعلَ اللهُ تعالَى الجنةَ ثواباً لإرضائِهَا، وقَدْ وجَّهَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ
جاءَ يستفتِيهِ إلَى أَنْ يلزَمَ رِجْلَ أُمِّهِ وأَنْ يحرِصَ علَى إرضائِهَا وإكرامِهَا، وأَنْ يسعَى فِي خدمَتِهَا فقالَ لهُ:« الْزَمْ
رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ .."
اما الشباب وتربيتهم ودفعهم الى الاسقامة فتلك مسئوليتنا
جميعا فالمسجد مسؤول والوالدان مسئولان والمجتمع مسؤول
فالكل مطالب بالتعاون من اجل النهوض بالشباب والعمل على حفاظهم
على ثقافتهم ولغتهم دون الذوبان في المجتمع ..........